الجمعة، 29 نوفمبر 2013

بروُ عتب

صعد السلم الرخامي لمنزل قديم بشارع النبي دانيال بمدينة الاسكندرية محبوبته التي لا يستطيع ان يمكث بها كثيرا, صعد السلم ببطء شديد ناظرا اسفل قدميه الي الدرج المبري من كثرة الاستخدام, تذكر جملة جدته الشهيرة له حين يذورها "ياواد انت مش جاي تقعد معايا يومين ولا هو برو عتب" كناية عن قصر مدة زيارته.
امام باب شقة بالطابق الثاني وقف مترددا , طرق الباب فانفتح ووجد امامه سيدة سبعينية تملأ تجاعيد الزمن وجهها الملائكي
           -          اتفضل يابني , تشرب ايه؟
جلس علي مقعد وثير انيق عتيق وقدمت اليه الشاي
           -          اسكن هذه الشقة من اوائل الستينات حين تزوجت "ابو فاطمة" , قاطعني اهلي , فكيف تتزوج "إستير سمعان" بنت ابراهيم ابو الانبياء الذي اختاره الرب ونسله من بعده ليكونوا شعبه المختار من "محمد عبد الهادي".
كنت في العشرينات من عمري وحبي الكبير ل"ابو فاطمة" جعلني تخليت عن العالم وعن عائلتي لالتصق به وقد كان يستحق التضحية , كان اهلي وعائلتي ولم يجعلني يوما اندم علي مافعلت
كانت الاسكندرية وقتها مدينة الحلم , كانوا يطلقون علي عمارتنا هذه "عصبة الامم" , كانت تحوي المصريين والاجريج والطلاينة والانجليز والفرنساويين والمغاربة ولم تكن تميز احدهم من الاخر .
بعد حرب 67 هٌجٍر من هٌجٍر وهاجر الباقين وبقيت وحدي من عائلتي ومن حينها لا اعلم شيئا عن اهلي
تغير الناس كثيرا خصوصا منذ وفاة "ابو فاطمة" اصبح الكل يدعونني "إستير اليهودية" حتي ابنتي صار اسمها "فاطمة بنت إستير اليهودية" بعد ان كان اسمي "ام فاطمة"
فاطمة الان  تجاوزت الاربعين ولم يتقدم لها ابن الحلال فمن سيتقدم ل"بنت استير اليهودية"
حين مولدها كان ابيها يريد ان يسميها "انجي" ولكني اصررت ان يدعوها "فاطمة" فقد حسبت حساب هذا اليوم ولكن يبدو ان جساباتي كانت خاطئة ايضا.
حتي اصدقائها مدعي الحرية الانفتاح لا يتخطي انفتاحهم عتبة هذا البيت لدخوله فدائما تبقي عقبة "بنت إستير" معلقة بلافتة ضخمة غير مرئية علي بابنا
علي قمة الشارع يقبع معبدنا اليهودي لم يبق منه سوي معلم من معالم مدينتنا العريقة ولكننا لا نستطيع استخدامه لعدم وجود ذكور يهود يقوموا بدور رجال الدين.
عانت فاطمة كثيرا حتي وجدت عملا يغنينا حاجة السؤال
عندما قامت ثورة يناير كنت من اشد مناصريها ولكني لم اجاهر بذلك حتي لا اسمع مالا يسرني ولكن "فاطمة" كانت دائمة التواجد وكانت تسافر كثيرا للقاهرة ولكنها لم تسلم من السنتهم, سمعتهم بأذني كثيرا "ثورة ايه دي الي بتعملها بنت استير اليهودية, دول شوية بلطجية قابضين من امريكا واسرائيل"
ناصرت الثورة للخلاص من العسكر الذين اغتصبوا ارضنا ولكني لم اكن اعلم انهها ستستبدلهم بمن يكفرونا ليل نهار
هل تعلم شعور من تعيش في بلد لا يقبل وجودك, لا يقبلك اصلا
يأتيني كثيرا الصحفيين لكتابة مقالاتهم عن احوال اليهود بمصر ويظهرون بمظهر مناصري الحرية ويذهبون ويأتي غيرهم, ولكنك لا تبدو مثلهم , هل انت مثلهم؟!
يغلق مسجله الالكتروني ويشكرها ويشد علي يدها ويعتذر عن ازعاجها مغادرا , وعند مدخل العمارة يخرج هاتفه
              -          معلش يا استاذ الست رفضت تقابلني هاكتب عن اي موضوع تاني

السبت، 2 نوفمبر 2013

يا ابنة عليٍ


"ويل للحقيقيين فإن الارض تلفظهم"
فالحقيقيون يفضحون زيف الارض وفاء , والعالم يكرههم .
لا تكرهي العالم ياصديقتي – وهو يستحق- ولكن ناطحيه, ولن ابشرك بإنتصارك عليه , فلا تنتصر الحقيقة في عالم الزيف, يحدث هذا فقط في عالم الخيال.
تختلط الافكار بداخلي, فلن تصبحي مائعة , اعلم ذلك, ولن تتبلدي وتصابين باللامبالاه, اعلم ذلك ايضا, ولكني أراهن علي عنادك.

لا تتغيري وفاء, ابقِ علي عنادك, وابقِ علي بغضك للمزيفين,  فهم يستحقون, اصنعي عالمك النقي من حولك, فلن انسى ما اخبرتِني به  قريبا  "افعل ما قد تندم عليه, حتى لا تندم على ما لم تفعل"

ابقِ علي مفهومك للحب, فهو افضل مايشفي أسقام أرواحنا, اعطه فقط لمن يستحق, وعندما تفعلين اعطِ قدر ما تستطيعين - كعادتك دائما - فلن تندمي يوما صدقيني .

اعلم ان علاقتك المميزة بأبيكِ - رحمه الله- قد تكون سر شقائك , فأجعليها دافعك.
قد لا اكون افضل من يقدم نصيحة , ولكن اسمعي من شخص مائع خسر لميوعته الكثير, لا تتركي مشرطك, افتحي كل جروحك, واجهي كل المتنطعين, إبكِ حينما اردتِ واضحكي حينما تشائين, اضحكي منهم وعليهم, فضحكاتك لن تجعلك تخسرين من يستحقون معيًتك.
نهايته وفاء
لكلٍ منًا قدره وما خُلق لأجله, لا نستطيع تغييره , ولكننا نستطيع فعله بوسائل مختلفة.