السبت، 26 أكتوبر 2013

عندي ثقة فيك

في ساحة الانتظار بالعيادات الخارجية لاحدي المستشفيات الصغيرة بتلك البلد الغريب التي قصدها بعد الهروب من وطنه جلس ينتظر دوره امام عيادات الاسنان
حين سألته عاملة الاستقبال عن اي طبيب يريد اجابها لا فرق فكلهم يقضون الغرض
فبعد "حبيبة"  لم يكن شيء يهم, فلم يكن يتصور ان يذهب لطبيب طالما كانت في حياته, حين كان يمرض يلجأ اليها دائما لتصف له الدواء,
              -          ياحبيبي انا دكتورة اسنان مالي انا ومال الصداع؟
              -          ياحبيبة انتوا دكاترة في بعض واكيد الطب كله موصل علي بعضه , قوليلي بقي علي حاجة علشان الصداع هايموتني

لم يهاجمه ألم الاسنان الا حينما ترك وطنيه, لا يضارع  آلام القلب الا الاسنان, يهلكان الروح والجسد, وحين هاجماه كانا سويا, فدائما لا تأتيه الآلام فرادى.
اخرج هاتفه وعبث بازراره ليستمع لشيء يقتل الوقت , فانساب في اذنيه صوت فيروز "عندي ثقة فيك.. عندي امل فيك" فابتسم رغم عنه.
كانت دائما تدندن له تلك الاغنية بصوت شهيً عندما تضيق الدنيا في وجهه, فتتألق عيناه ويبتسم رغما عنه فتلكزه في كتفه مازحة
              -          فكها عشان ربنا يفكها , انا واثقة انك هاتقدر تكون اللي انت عازوه

حين غنتها له في اخر لقاء وهي تحاول ان تعدله عن قرار سفره لم يبتسم ولم تتألق عيناه وبقي متجهما فانفجرت فيه غاضبة,
              -          اذن فاذهب الي حيث اردت ولكن فلتعلم, فلن اتنفس هواء لا تسكن ارضه

لم ينتبه الا علي صوت الممرضة الفلبينيه ينببه انه دوره للدخول للطبيبة فارتبك وازال سماعة الاذن من الهاتف دون قصد حتي يسمع ماذا تقول الممرضة بلكنتها الانجليزية الغريبة فانساب صوت فيروز من هاتفه "حبيتك مثل ما حدا حب.. ولا بيوم راح بحكي" وهو يدخل غرفة الطبيبة التي كُتب علي بابها لافتة صغيرة لم يلحظها "د/ حبيبة ابراهيم شعبان"

الثلاثاء، 22 أكتوبر 2013

عادياً

لم يكن ابدا مميزا , كان ناجحا في كل مايفعل ولكن دون ان يترك بصمة في عمله, دائما ما حسد الفاشلين والمتطرفين لأنهم نجحوا في ترك علامة فيمن حولهم حتي وان كانت سيئة, كان عاديا مثل الكثيرين, مائعا كما كان يظن.

صادق الكثيرين ولم يصادقه احد, احبه الجميع ولكنه كان في حياتهم كالماء, يحتاجونه لكن لا طعم مميز له, اذا احصي احدهم اقرب اصدقائه قد يأتي في المؤخرة ان  حضر في الذاكرة , حضوره الدائم في حياتهم كان مصدر نسيانهم له , كالشجرة امام بيتك لا تلاحظ وجودها الا اذا اختفت

حين احب كان حبا عاديا, اخلص وتفانى في حبه, وأحبت اخلاصه لكنها لم تحبه, وحين وجدت من ترك ندوب علي روحها تركته

كان وسيما مريح الملامح, وجهه كالصفحة البيضاء, لا اثر فيه لعلامات الزمن , كان يغار من القبحاء فهم لا يمحون من الذاكرة

كان ميسور الحال لا يملك سيارة فارهة تجذب الانظار ولا يستطيع ان ينحشر وسط الكادحين في المواصلات العامة, كانت سيارته مثل المئات في الشارع , مثله تماما

وحين حاول مليء فراغ روحه بالانخراط في عالم الاطفال عمل في ملجيء للصغار , احب الاطفال فأحبوه وتعلقوا به وكانوا يدعونه " عمو" ولكن احدهم لم يلقبه " بابا" كما فعلوا مع زملاؤه فغاب عنهم طويلا ثم تركهم

وحين وُجد ملقىً مغطى بدماءه في شارع مجهول الاسم نقله المارة الي الرصيف الي ان جائت سيارة الاسعاف حملته للمشرحة.

وبعد شهور شعر من يعرفوه بشيء ينقص حياتهم ولكنهم لم يدركوا ما هو